نشأة تدوين السنة النبوية وتطوره
أ - تدوين الحديث في القرن الأول كان العرب قبل الإسلام يهتمون بالرواية، وكان عليها اعتمادهم في حفظ أشعارهم وأنسابهم وأخبارهم وخطبهم، فقد كانت لديهم ملكة الحفظ وقوة الذاكرة، فلم يكونوا يعتمدون على الكتابة، ولذلك قلت الكتابة فيهم، وقل عدد الكتاب، ووصفوا بأنهم أمة أمية، كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}.
كما جاء هذا الوصف في الحديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا». أخرجه البخاري ومسلم
أ - تدوين الحديث في القرن الأول كان العرب قبل الإسلام يهتمون بالرواية، وكان عليها اعتمادهم في حفظ أشعارهم وأنسابهم وأخبارهم وخطبهم، فقد كانت لديهم ملكة الحفظ وقوة الذاكرة، فلم يكونوا يعتمدون على الكتابة، ولذلك قلت الكتابة فيهم، وقل عدد الكتاب، ووصفوا بأنهم أمة أمية، كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}.
كما جاء هذا الوصف في الحديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا». أخرجه البخاري ومسلم
وهذا لا يعني أنه لا وجود للكتابة في مجتمع مكة والمدينة، بيد أن عدد الكتاب كان قليلا، وما إن اتسع الإسلام وانتشر في جزيرة العرب، حتى انتشرت الكتابة على نطاق واسع نظرا لأن القرآن الكريم حث على الكتابة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}. واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم أبناء المسلمين الكتابة.. وأذن لأسرى بدر أن يفتدوا أنفسهم بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة على أن يقوم كل أسير بتعليم عشرة من صبيان المسلمين حتى يطلق سراحه.
وظهر من الصحابة عدد كبير ممن كان يعرف القراءة والكتابة، ومنهم عبد الله بن سعيد بن العاص، وسعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص وغيرهم.
وقد قام بعض الكتاب بتدوين القرآن الكريم، وكتب القرآن جميعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مفرقا في العسب واللخاف.
بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لم يأذن في جمع الأحاديث وتدوينها وكتابتها كما أذن لهم في جمع القرآن وكتابته على وجه الشمول والاستيعاب، ولعل ذلك يرجع إلى حصر جهودهم في نطاق تدوين القرآن، إلى جانب مخافة حدوث اللبس والاختلاط عند العامة بين الصحف التي كتب فيها القرآن، بصحف الحديث، خاصة في فترة نزول الوحي بالقرآن، حيث إن عامة المسلمين لم يعتادوا أسلوب القرآن، فلذلك ورد النهي عن جمع الأحاديث، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
ولما حصل التمييز بين القرآن والسنة انتفى ما كان يمنع من كتابة الحديث، وزال الخوف وأمن اللبس والاختلاط بين القرآن والأحاديث، عند ذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بالكتابة،
فقد وردت أحاديث تدل على إباحة الكتابة لبعضهم، فمن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم أن عليا رضي الله عنه لما سأله أبو جحيفة: هل عندكم شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن؟ قَالَ لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).
ومما يدل على إباحة الكتابة ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مني حديثا، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.
- وما رواه البخاري ومسلم أن أبا شاه رجل من أهل اليمن التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه».
ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن الحديث قد كتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعماله بشأن الزكوات وأنصبتها، وما كتب من العهود بينه وبين اليهود بالمدينة، وبينه وبين المشركين في الحديبية، والكتب التي كتبها إلى الأمراء والملوك، وما ثبت من أنه كتب كتابا فيه الفرائض والسنن والديات.
وبعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى اختلف الصحابة في كتابة الحديث وتدوينه في الكتب، فكرهها طائفة منهم: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهم. وأباحتها طائفة منهم: عمر وعلي وعبد الله بن عمرو وأنس وجابر وابن عباس. ومن بعدهم من التابعين كالحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
تم استقر الأمر والإجماع على جواز كتابة الأحاديث، بل على استحباب ذلك. ومنهم من قال بالوجوب لمن خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم للناس.
قال ابن الصلاح: "لولا تدوين الأحاديث في الكتب لدرست في الأعصر الأخيرة".
- نماذج من الصحف التي دونها الصحابة رضي الله عنهم
ذكر الخطيب البغدادي في كتابه (تقيد العلم) نماذج من هذه الصحف، منها صحيفة أبي بكر الصديق، وهي في فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وهي المعروفة بالصحيفة الصادقة، وصحيفة عبد الله بن أبي أوفى، وصحيفة أبي موسى الأشعري, وصحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت هذه الصحف هي النواة الأولى لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
نماذج من الصحف التي دونها التابعون
توسع التابعون في كتابة الحديث ومن أسباب ذلك التوسع ما يلي:
أ- انتشار الروايات وطول الأسانيد، وكثرة أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم.
ب- موت كثير من حفاظ السنة, فخيف بذهابهم أن يذهب كثير من السنة.
ج- ضعف ملكة الحفظ مع انتشار الكتابة.
د- ظهور البدع والأهواء وفشو الكذب.
هـ- زوال كثير من أسباب كراهية الكتابة.
وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) عددا كبيرا من الصحف التي دونها التابعون، منها صحيفة أوصحف سعيد بن جبير (تلميذ ابن عباس)، وصحف مجاهد بن جبر المكي (تلميذ ابن عباس)، وصحيفة أبي الزبير محمد ابن مسلم المكي (تلميذ جابر بن عبد الله)، وصحيفة أيوب بن أبي تميمة السختياني، وصحيفة هشام بن عروة، وغير ذلك من الصحف التي رويت عن التابعين، وكانت هي الأساس الثاني لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
- التدوين الرسمي للحديث
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن دينار قال:«كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا».
وفي كتاب جامع بيان العلم وفضله ، عن ابن شهاب الزهري قال:«أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا».
وفي سنن الدارمي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المدينة:«انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
وأخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بسنده إلى الإمام مالك قال:«أول من دون العلم ابن شهاب الزهري».
والمراد بهذا التدوين: التدوين الرسمي الشامل الذي اتخذ صيغة العموم، وتداولت الأمة صحفه المكتوبة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجعل الصحف مرجعا متداولا معتمدا لا يختص بصاحبه فقط، ولم يلبث التدوين المبوب المرتب أن انتشر بعد ذلك في منتصف القرن الثاني، فجمعت الأحاديث في المجامع والمصنفات.
ب - تدوين الحديث في القرن الثاني
يشمل هذا القرن عصر جيلين هما: صغار التابعين، وأتباع التابعين.
أما جيل صغار التابعين فتصنف جهودهم في تدوين السنة ضمن جهود التابعين، وقد كانت جهودهم في عمومها مجرد جمع للأحاديث في صحف لا يراعى فيها تبويب أو ترتيب معين.
و أما جيل أتباع التابعين فيبتدأ من منتصف القرن الثاني، وقد كان لهذا الجيل الريادة في ابتداء التدوين المرتب على الأبواب والفصول, كما كانت له الريادة في التأسيس والتأصيل لعلوم السنة, ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تطور التدوين في منتصف هذا القرن، فظهر التفريق بين التدوين الذي هو مجرد الجمع في الصحف، وبين التصنيف الذي هو الترتيب والتبويب والتمييز في المصنفات.
2- أن المصنفات المدونة في هذا العصر قد جمعت إلى جانب الأحاديث النبوية أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين بمعنى أنها اشتملت على الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع، وكانت الصحف فيما مضى تقتصر على الأحاديث النبوية فقط.
3- طريقة التدوين في مصنفات هذا القرن هي جمع الأحاديث المتناسبة في باب واحد، ثم يجمع جملة الأبواب والكتب في مصنف واحد.
- أشهر المصنفين في القرن الثاني
ممن اشتهر بتأليف المصنفات في الحديث في هذا القرن، ممن عاصر الزهري، أو ممن أخذ عنه من تلامذته:
1- أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري فقيه الحرم المكي، وإمام أهل الحجاز في عصره المتوفى سنة (150هـ) وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة وهو من تلامذة الزهري.
2- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي أحد الأعلام في المغازي والسير المتوفى سنة (151هـ) جمع كتابه (السيرة) المعروفة بسيرة ابن إسحاق وهو ممن أخذ عن الإمام الزهري.
3- معمر بن راشد الأزدي اليماني المتوفى سنة (153هـ).
4- سعيد بن أبي عروبة البصري المتوفى سنة (156هـ).
5- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي المتوفى (156هـ).
6- مالك بن أنس إمام دار الهجرة والمتوفى سنة (179هـ)، وهو أحد تلامذة الزهري والآخذين عنه. وغيرهم
ج - تدوين الحديث في القرن الثالث
يعتبر هذا القرن عصر السنة الذهبي إذ برز فيه كثير من الحفاظ والنقاد، من أمثال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه, وعلي بن المديني, ويحيى بن معين، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم، ممن كان على أيديهم تأسيس كثير من علوم الحديث، وكان لهم السبق في التصنيف في كل نوع من أنواع تلك العلوم الحديثية، واستوفوا المتون والأسانيد دراسة وبحثا.
ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تجريد الأحاديث النبوية وتمييزها عن غيرها، بعد أن كانت قد دونت في القرن الثاني ممزوجة بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين.
2- الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف.
3- تنوع المصنفات في تدوين السنة، حيث ظهرت كتب المسانيد والصحاح والسنن، ومختلف كتب الحديث، ومشكله وغيرها.
د - تدوين الحديث في القرنين الرابع والخامس
تابع العلماء في القرن الرابع جهود السابقين، فكان منهم من سار على نهج الصحيحين في إخراج الأحاديث الصحيحة، ومنهم من سار على نهج أصحاب السنن في الاقتصار على أحاديث السنن والأحكام مع اشتمالها على الصحيح وغيره، ومنهم من عني بالتأليف في مختلف الحديث ومشكله.
كما ظهرت في هذا القرن كتب المستدركات والمستخرجات والمعاجم والعلل.
وفي القرن الخامس ظهرت النواة الأولى للمسموعات الحديثية، ومن ذلك كتب الجمع بين الصحيحين، وكتب الجمع بين الكتب الستة، وغير ذلك.
3- أنواع المصنفات التي عنيت بتدوين الحديث النبوي
تحدث الحافظ بن حجر رحمه الله في (هدي الساري مقدمة فتح الباري) عن نشأة التصنيف عند المحدثين فقال:" اعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبة، لأمرين، أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما".
وقد نوع المحدثون تصانيفهم، وتفننوا فيها، ومن أهم أنواع التصنيف عندهم الأنواع الآتية:
1- الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية
وطريقة هذا التصنيف أن تجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد إلى بعضها البعض تحت عنوان عام يجمعها، مثل: (كتاب الصلاة)، (كتاب الزكاة)، وهكذا، تم توزع الأحاديث على أبواب، يضم كل باب حديثا أو أحاديث في مسألة جزئية، ويوضع لهذا الباب عنوان يدل على موضوعه، مثل: (باب مفتاح الصلاة الطهور)، ويسمي المحدثون هذا العنوان: (ترجمة).
وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح كالشيخين، ومنهم من لا يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب الجوامع، والسنن، والمصنفات، والموطآت، والمستدركات، والمستخرجات.
والجوامع جمع جامع، والجامع في اصطلاح المحدثين: هو كتاب الحديث المرتب على الأبواب، ويوجد فيه أحاديث في جميع موضوعات الدين وأبوابه، كالجامع الصحيح للإمام البخاري، والجامع للترمذي.
والسنن: هي الكتب التي تجمع أحاديث الأحكام المرفوعة مرتبة على الأبواب الفقهية، مثل السنن الأربعة، وسنن الشافعي والبيهقي والدارقطني والدارمي..
وكتب السنن لا تشتمل على غير الأحاديث المرفوعة إلا نادرا, لأن الأحاديث الموقوفة والمقطوعة لا تسمى في اصطلاح المحدثين سننا.
والمصنف: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.
ومن أشهر المصنفات: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة.
والموطآت: جمع موطأ والموطأ لغة: المسهل والمهيأ.
وفي اصطلاح المحدثين: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو كالمصنف وإن اختلفت التسمية.
والمستدرك: هو كل كتاب يخرج فيه صاحبه أحاديث لم يخرجها كتاب ما من كتب السنة, وهي على شرط ذلك الكتاب، مثل المستدركات على الصحيحين، ومنها مستدرك أبي عبد الله الحاكم.
والمستخرج عند المحدثين هو أن يأتي المصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث، فيخرج أحاديث بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه ولو في الصحابي.
ومثال المستخرج: المستخرجات على الجوامع، كمستخرج الإسماعيلي، والغطريفي على صحيح البخاري، والمستخرج لأبي عوانة الإسفراييني على صحيح مسلم, وغيرهما.
2-الكتب المرتبة على أسماء الصحابة:
وهي كتب تجمع الأحاديث التي يرويها كل صحابي في موضع خاص وإن اختلفت أنواع أحاديثه.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب المسانيد، وكتب الأطراف والمعاجم المصنفة على هذه الطريقة.
والمسند: هو الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث على ترتيب أسماء الصحابة وفق حروف المعجم، أو السابقة في الإسلام، أو القبائل...
ومثالها: مسند الإمام أحمد بن حنبل، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند الحميدي، ومسند أبي داود الطيالسي وغيرها.
والأطراف: جمع طرف، وطرف الحديث: جزؤه الدال عليه.
وكتب الأطراف هي التي يقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة.
قال السيوطي في تدريب الراوي: "من طرق التصنيف أيضا جمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده، إما مستوعبا أو مقيدا بكتب مخصوصة".
ومثالها: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي.
والغالب أن مؤلفي الأطراف رتبوها على مسانيد الصحابة، مرتبين أسماءهم على حروف المعجم.
والمعاجم: جمع معجم، والمعجم في اصطلاح المحدثين هو: الكتاب الذي ترتب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة أو الشيوخ أو غير ذلك، والغالب أن يكون ترتيب الأسماء على حروف المعجم.
ومن أشهرها المعجم الكبير والأوسط والصغير للإمام الطبراني.
3- الكتب التي رتبت فيها الأحاديث على حروف المعجم بحسب أوائلها:
ويشمل هذا النوع من التصنيف: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وبعض المصنفات الجامعة (المجامع) والمفاتيح، والفهارس التي صنفها العلماء لكتب مخصوصة تسهيلا على المراجعين في تلك الكتب، واختصارا للوقت للعثور على الحديث الذي يريدونه فيها.
أما الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، فهي الكتب التي جمعت الأحاديث التي تداولتها ألسنة العامة، لبيان حالها صحة أو ضعفا، وأكثرها مرتب على نسق حروف المعجم.
ومن أشهرها: (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة) للحافظ السخاوي، (وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني.
وأما المصنفات الجامعة أو المجامع، فالمراد بها الكتب التي تجمع أحاديث عدة كتب من مصادر الحديث، وترتب فيها الأحاديث إما على الأبواب، أو على حروف المعجم بحسب أوائلها. ومن أشهر ما ألف فيه الجامع الكبير والصغير للسيوطي.
وأما المفاتح والفهارس فمنها: مفتاح الصحيحين للتوقادي، وفهارس صحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، لمحمد فؤاد عبد الباقي.
4- كتب الزوائد:
وهي المصنفات التي يجمع فيها مؤلفوها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب الحديثية عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى.
قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: "ومنها كتب الزوائد أي: الأحاديث التي يزيد بها بعض كتب الحديث على بعض آخر معين منها".
ومن أشهر كتب الزوائد: (مصباح الزجاجة في زوائد بن ماجة) لأبي العباس البوصيري، وهو كتاب يشتمل على الأحاديث التي أخرجها ابن ماجة في سننه، ولم يخرجها أصحاب الكتب الخمس، دون الكتب التي شاركهم في إخراجها.
ومنها: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي، جمع فيه ما زاد على الكتب الستة من ستة مصادر حديثية هامة: (مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وعني ببيان حال الأحاديث صحة وضعفا.
ومنها: (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر العسقلاني، جمع فيه الزوائد على الكتب الستة ومسند أحمد من ثمانية مسانيد، وهي: (مسند الطيالسي، ومسند أبي بكر الحميدي، ومسند ابن أبي عمر العدني، ومسند عبد بن حميد، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند أحمد بن منيع، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند الحارث بن أبي أسامة).
5- خامسا كتب التخريج:
التخريج هو: الدلالة على موضع الحديث من مصادره الأصلية مع بيان مرتبته.
وكتب التخريج هي الكتب الموضوعة في تخريج الأحاديث الواقعة في كتاب مصنف في غير الحديث.
مثالها: (نصب الراية لأحاديث الهداية) للزيلعي، وهو كتاب خرج فيه مؤلفه الأحاديث التي ذكرها الفقيه المرغياني الحنفي في كتابه الهداية في الفقه الحنفي.
ومنها: (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار) للحافظ العراقي، و(البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير) لابن الملقن.
6- كتب الأجزاء:
الجزء في اصطلاح المحدثين يراد به:
- جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم.
قال الكتاني: "والجزء عندهم تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم".
مثاله: جزء أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري.
- أو جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد من الموضوعات الجزئية على سبيل البسط والاستقصاء.
مثاله: جزء رفع اليدين في الصلاة، وجزء القراءة خلف الإمام، كلاهما للإمام البخاري.
وقد يفرد المحدثون أحاديث، فيجمعون طرقها في جزء، نحو طرق حديث قبض العلم، وغير ذلك.
7- الكتب المصنفة في العلل:
قال المباركفوري: "وهي الكتب التي يجمع فيها الأحاديث المعللة مع بيان عللها".
وقال النووي في التقريب: "ومن أحسنه تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته".
وقال السيوطي في تدريب الراوي: "فإن معرفة المعلل أجل أنواع الحديث والأولى جعله على الأبواب ليسهل تناوله".
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "وللساجي كتاب جليل في علل الحديث، يدل على تبحره في هذا الفن".
والكتب المصنفة في العلل بعضها غير مرتب كعلل علي بن المديني، وبعضها مرتب إما على المسانيد كعلل الدارقطني، وإما على الأبواب كعلل ابن أبي حاتم، وأبي بكر الخلال.
وهناك أنواع أخرى من المصنفات في الحديث مذكورة في موضعها من الكتب المختصة, كما في (الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة) للعلامة محمد بن جعفر الكتاني, (ومقدمة تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) للعلامة محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي رحم الله الجميع.
خاتمة:
لقد مر تدوين الحديث بمراحل مختلفة، على أيدي نقاد جهابذة، نخلوه وبينوا صحيحه من معلوله، حتى وصل إلينا غضا طريا مصفى، فما علينا إلا حفظه، والعمل بمقتضاه، ورحم الله من قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن الحديث قد كتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعماله بشأن الزكوات وأنصبتها، وما كتب من العهود بينه وبين اليهود بالمدينة، وبينه وبين المشركين في الحديبية، والكتب التي كتبها إلى الأمراء والملوك، وما ثبت من أنه كتب كتابا فيه الفرائض والسنن والديات.
وبعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى اختلف الصحابة في كتابة الحديث وتدوينه في الكتب، فكرهها طائفة منهم: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهم. وأباحتها طائفة منهم: عمر وعلي وعبد الله بن عمرو وأنس وجابر وابن عباس. ومن بعدهم من التابعين كالحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
تم استقر الأمر والإجماع على جواز كتابة الأحاديث، بل على استحباب ذلك. ومنهم من قال بالوجوب لمن خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم للناس.
قال ابن الصلاح: "لولا تدوين الأحاديث في الكتب لدرست في الأعصر الأخيرة".
- نماذج من الصحف التي دونها الصحابة رضي الله عنهم
ذكر الخطيب البغدادي في كتابه (تقيد العلم) نماذج من هذه الصحف، منها صحيفة أبي بكر الصديق، وهي في فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وهي المعروفة بالصحيفة الصادقة، وصحيفة عبد الله بن أبي أوفى، وصحيفة أبي موسى الأشعري, وصحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت هذه الصحف هي النواة الأولى لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
نماذج من الصحف التي دونها التابعون
توسع التابعون في كتابة الحديث ومن أسباب ذلك التوسع ما يلي:
أ- انتشار الروايات وطول الأسانيد، وكثرة أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم.
ب- موت كثير من حفاظ السنة, فخيف بذهابهم أن يذهب كثير من السنة.
ج- ضعف ملكة الحفظ مع انتشار الكتابة.
د- ظهور البدع والأهواء وفشو الكذب.
هـ- زوال كثير من أسباب كراهية الكتابة.
وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) عددا كبيرا من الصحف التي دونها التابعون، منها صحيفة أوصحف سعيد بن جبير (تلميذ ابن عباس)، وصحف مجاهد بن جبر المكي (تلميذ ابن عباس)، وصحيفة أبي الزبير محمد ابن مسلم المكي (تلميذ جابر بن عبد الله)، وصحيفة أيوب بن أبي تميمة السختياني، وصحيفة هشام بن عروة، وغير ذلك من الصحف التي رويت عن التابعين، وكانت هي الأساس الثاني لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
- التدوين الرسمي للحديث
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن دينار قال:«كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا».
وفي كتاب جامع بيان العلم وفضله ، عن ابن شهاب الزهري قال:«أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا».
وفي سنن الدارمي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المدينة:«انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
وأخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بسنده إلى الإمام مالك قال:«أول من دون العلم ابن شهاب الزهري».
والمراد بهذا التدوين: التدوين الرسمي الشامل الذي اتخذ صيغة العموم، وتداولت الأمة صحفه المكتوبة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجعل الصحف مرجعا متداولا معتمدا لا يختص بصاحبه فقط، ولم يلبث التدوين المبوب المرتب أن انتشر بعد ذلك في منتصف القرن الثاني، فجمعت الأحاديث في المجامع والمصنفات.
ب - تدوين الحديث في القرن الثاني
يشمل هذا القرن عصر جيلين هما: صغار التابعين، وأتباع التابعين.
أما جيل صغار التابعين فتصنف جهودهم في تدوين السنة ضمن جهود التابعين، وقد كانت جهودهم في عمومها مجرد جمع للأحاديث في صحف لا يراعى فيها تبويب أو ترتيب معين.
و أما جيل أتباع التابعين فيبتدأ من منتصف القرن الثاني، وقد كان لهذا الجيل الريادة في ابتداء التدوين المرتب على الأبواب والفصول, كما كانت له الريادة في التأسيس والتأصيل لعلوم السنة, ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تطور التدوين في منتصف هذا القرن، فظهر التفريق بين التدوين الذي هو مجرد الجمع في الصحف، وبين التصنيف الذي هو الترتيب والتبويب والتمييز في المصنفات.
2- أن المصنفات المدونة في هذا العصر قد جمعت إلى جانب الأحاديث النبوية أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين بمعنى أنها اشتملت على الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع، وكانت الصحف فيما مضى تقتصر على الأحاديث النبوية فقط.
3- طريقة التدوين في مصنفات هذا القرن هي جمع الأحاديث المتناسبة في باب واحد، ثم يجمع جملة الأبواب والكتب في مصنف واحد.
- أشهر المصنفين في القرن الثاني
ممن اشتهر بتأليف المصنفات في الحديث في هذا القرن، ممن عاصر الزهري، أو ممن أخذ عنه من تلامذته:
1- أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري فقيه الحرم المكي، وإمام أهل الحجاز في عصره المتوفى سنة (150هـ) وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة وهو من تلامذة الزهري.
2- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي أحد الأعلام في المغازي والسير المتوفى سنة (151هـ) جمع كتابه (السيرة) المعروفة بسيرة ابن إسحاق وهو ممن أخذ عن الإمام الزهري.
3- معمر بن راشد الأزدي اليماني المتوفى سنة (153هـ).
4- سعيد بن أبي عروبة البصري المتوفى سنة (156هـ).
5- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي المتوفى (156هـ).
6- مالك بن أنس إمام دار الهجرة والمتوفى سنة (179هـ)، وهو أحد تلامذة الزهري والآخذين عنه. وغيرهم
ج - تدوين الحديث في القرن الثالث
يعتبر هذا القرن عصر السنة الذهبي إذ برز فيه كثير من الحفاظ والنقاد، من أمثال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه, وعلي بن المديني, ويحيى بن معين، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم، ممن كان على أيديهم تأسيس كثير من علوم الحديث، وكان لهم السبق في التصنيف في كل نوع من أنواع تلك العلوم الحديثية، واستوفوا المتون والأسانيد دراسة وبحثا.
ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تجريد الأحاديث النبوية وتمييزها عن غيرها، بعد أن كانت قد دونت في القرن الثاني ممزوجة بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين.
2- الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف.
3- تنوع المصنفات في تدوين السنة، حيث ظهرت كتب المسانيد والصحاح والسنن، ومختلف كتب الحديث، ومشكله وغيرها.
د - تدوين الحديث في القرنين الرابع والخامس
تابع العلماء في القرن الرابع جهود السابقين، فكان منهم من سار على نهج الصحيحين في إخراج الأحاديث الصحيحة، ومنهم من سار على نهج أصحاب السنن في الاقتصار على أحاديث السنن والأحكام مع اشتمالها على الصحيح وغيره، ومنهم من عني بالتأليف في مختلف الحديث ومشكله.
كما ظهرت في هذا القرن كتب المستدركات والمستخرجات والمعاجم والعلل.
وفي القرن الخامس ظهرت النواة الأولى للمسموعات الحديثية، ومن ذلك كتب الجمع بين الصحيحين، وكتب الجمع بين الكتب الستة، وغير ذلك.
3- أنواع المصنفات التي عنيت بتدوين الحديث النبوي
تحدث الحافظ بن حجر رحمه الله في (هدي الساري مقدمة فتح الباري) عن نشأة التصنيف عند المحدثين فقال:" اعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبة، لأمرين، أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما".
وقد نوع المحدثون تصانيفهم، وتفننوا فيها، ومن أهم أنواع التصنيف عندهم الأنواع الآتية:
1- الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية
وطريقة هذا التصنيف أن تجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد إلى بعضها البعض تحت عنوان عام يجمعها، مثل: (كتاب الصلاة)، (كتاب الزكاة)، وهكذا، تم توزع الأحاديث على أبواب، يضم كل باب حديثا أو أحاديث في مسألة جزئية، ويوضع لهذا الباب عنوان يدل على موضوعه، مثل: (باب مفتاح الصلاة الطهور)، ويسمي المحدثون هذا العنوان: (ترجمة).
وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح كالشيخين، ومنهم من لا يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب الجوامع، والسنن، والمصنفات، والموطآت، والمستدركات، والمستخرجات.
والجوامع جمع جامع، والجامع في اصطلاح المحدثين: هو كتاب الحديث المرتب على الأبواب، ويوجد فيه أحاديث في جميع موضوعات الدين وأبوابه، كالجامع الصحيح للإمام البخاري، والجامع للترمذي.
والسنن: هي الكتب التي تجمع أحاديث الأحكام المرفوعة مرتبة على الأبواب الفقهية، مثل السنن الأربعة، وسنن الشافعي والبيهقي والدارقطني والدارمي..
وكتب السنن لا تشتمل على غير الأحاديث المرفوعة إلا نادرا, لأن الأحاديث الموقوفة والمقطوعة لا تسمى في اصطلاح المحدثين سننا.
والمصنف: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.
ومن أشهر المصنفات: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة.
والموطآت: جمع موطأ والموطأ لغة: المسهل والمهيأ.
وفي اصطلاح المحدثين: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو كالمصنف وإن اختلفت التسمية.
والمستدرك: هو كل كتاب يخرج فيه صاحبه أحاديث لم يخرجها كتاب ما من كتب السنة, وهي على شرط ذلك الكتاب، مثل المستدركات على الصحيحين، ومنها مستدرك أبي عبد الله الحاكم.
والمستخرج عند المحدثين هو أن يأتي المصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث، فيخرج أحاديث بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه ولو في الصحابي.
ومثال المستخرج: المستخرجات على الجوامع، كمستخرج الإسماعيلي، والغطريفي على صحيح البخاري، والمستخرج لأبي عوانة الإسفراييني على صحيح مسلم, وغيرهما.
2-الكتب المرتبة على أسماء الصحابة:
وهي كتب تجمع الأحاديث التي يرويها كل صحابي في موضع خاص وإن اختلفت أنواع أحاديثه.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب المسانيد، وكتب الأطراف والمعاجم المصنفة على هذه الطريقة.
والمسند: هو الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث على ترتيب أسماء الصحابة وفق حروف المعجم، أو السابقة في الإسلام، أو القبائل...
ومثالها: مسند الإمام أحمد بن حنبل، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند الحميدي، ومسند أبي داود الطيالسي وغيرها.
والأطراف: جمع طرف، وطرف الحديث: جزؤه الدال عليه.
وكتب الأطراف هي التي يقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة.
قال السيوطي في تدريب الراوي: "من طرق التصنيف أيضا جمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده، إما مستوعبا أو مقيدا بكتب مخصوصة".
ومثالها: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي.
والغالب أن مؤلفي الأطراف رتبوها على مسانيد الصحابة، مرتبين أسماءهم على حروف المعجم.
والمعاجم: جمع معجم، والمعجم في اصطلاح المحدثين هو: الكتاب الذي ترتب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة أو الشيوخ أو غير ذلك، والغالب أن يكون ترتيب الأسماء على حروف المعجم.
ومن أشهرها المعجم الكبير والأوسط والصغير للإمام الطبراني.
3- الكتب التي رتبت فيها الأحاديث على حروف المعجم بحسب أوائلها:
ويشمل هذا النوع من التصنيف: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وبعض المصنفات الجامعة (المجامع) والمفاتيح، والفهارس التي صنفها العلماء لكتب مخصوصة تسهيلا على المراجعين في تلك الكتب، واختصارا للوقت للعثور على الحديث الذي يريدونه فيها.
أما الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، فهي الكتب التي جمعت الأحاديث التي تداولتها ألسنة العامة، لبيان حالها صحة أو ضعفا، وأكثرها مرتب على نسق حروف المعجم.
ومن أشهرها: (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة) للحافظ السخاوي، (وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني.
وأما المصنفات الجامعة أو المجامع، فالمراد بها الكتب التي تجمع أحاديث عدة كتب من مصادر الحديث، وترتب فيها الأحاديث إما على الأبواب، أو على حروف المعجم بحسب أوائلها. ومن أشهر ما ألف فيه الجامع الكبير والصغير للسيوطي.
وأما المفاتح والفهارس فمنها: مفتاح الصحيحين للتوقادي، وفهارس صحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، لمحمد فؤاد عبد الباقي.
4- كتب الزوائد:
وهي المصنفات التي يجمع فيها مؤلفوها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب الحديثية عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى.
قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: "ومنها كتب الزوائد أي: الأحاديث التي يزيد بها بعض كتب الحديث على بعض آخر معين منها".
ومن أشهر كتب الزوائد: (مصباح الزجاجة في زوائد بن ماجة) لأبي العباس البوصيري، وهو كتاب يشتمل على الأحاديث التي أخرجها ابن ماجة في سننه، ولم يخرجها أصحاب الكتب الخمس، دون الكتب التي شاركهم في إخراجها.
ومنها: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي، جمع فيه ما زاد على الكتب الستة من ستة مصادر حديثية هامة: (مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وعني ببيان حال الأحاديث صحة وضعفا.
ومنها: (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر العسقلاني، جمع فيه الزوائد على الكتب الستة ومسند أحمد من ثمانية مسانيد، وهي: (مسند الطيالسي، ومسند أبي بكر الحميدي، ومسند ابن أبي عمر العدني، ومسند عبد بن حميد، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند أحمد بن منيع، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند الحارث بن أبي أسامة).
5- خامسا كتب التخريج:
التخريج هو: الدلالة على موضع الحديث من مصادره الأصلية مع بيان مرتبته.
وكتب التخريج هي الكتب الموضوعة في تخريج الأحاديث الواقعة في كتاب مصنف في غير الحديث.
مثالها: (نصب الراية لأحاديث الهداية) للزيلعي، وهو كتاب خرج فيه مؤلفه الأحاديث التي ذكرها الفقيه المرغياني الحنفي في كتابه الهداية في الفقه الحنفي.
ومنها: (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار) للحافظ العراقي، و(البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير) لابن الملقن.
6- كتب الأجزاء:
الجزء في اصطلاح المحدثين يراد به:
- جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم.
قال الكتاني: "والجزء عندهم تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم".
مثاله: جزء أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري.
- أو جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد من الموضوعات الجزئية على سبيل البسط والاستقصاء.
مثاله: جزء رفع اليدين في الصلاة، وجزء القراءة خلف الإمام، كلاهما للإمام البخاري.
وقد يفرد المحدثون أحاديث، فيجمعون طرقها في جزء، نحو طرق حديث قبض العلم، وغير ذلك.
7- الكتب المصنفة في العلل:
قال المباركفوري: "وهي الكتب التي يجمع فيها الأحاديث المعللة مع بيان عللها".
وقال النووي في التقريب: "ومن أحسنه تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته".
وقال السيوطي في تدريب الراوي: "فإن معرفة المعلل أجل أنواع الحديث والأولى جعله على الأبواب ليسهل تناوله".
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "وللساجي كتاب جليل في علل الحديث، يدل على تبحره في هذا الفن".
والكتب المصنفة في العلل بعضها غير مرتب كعلل علي بن المديني، وبعضها مرتب إما على المسانيد كعلل الدارقطني، وإما على الأبواب كعلل ابن أبي حاتم، وأبي بكر الخلال.
وهناك أنواع أخرى من المصنفات في الحديث مذكورة في موضعها من الكتب المختصة, كما في (الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة) للعلامة محمد بن جعفر الكتاني, (ومقدمة تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) للعلامة محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي رحم الله الجميع.
خاتمة:
لقد مر تدوين الحديث بمراحل مختلفة، على أيدي نقاد جهابذة، نخلوه وبينوا صحيحه من معلوله، حتى وصل إلينا غضا طريا مصفى، فما علينا إلا حفظه، والعمل بمقتضاه، ورحم الله من قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
منقول لتمام الفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق