الثلاثاء، 28 مايو 2013

جمع القرآن الكريم وتدوينه :

القرآن الكريم

القرآن الكريم هو كتاب العرب الأكبر ، ودستور المسلمين الأعظم ، وديوان العالم الأعز وشرعة الإنسانية السمحاء ووحي السماء الذي نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم .
وقد جاء بلغة قريش أفصح ما للعرب من لغات وأبقى وأنقى وأبهى مالديها على الإطلاق من لهجات ، فكان أول كتاب عربي عرفه العالم قاطبة ملأ الخافقين علماً وعم فجاج الأرض نوراً وإشراقاً وبعث الهامدين من مراقد الجهالة والضلال ، فدبت فيهم الحياة وأتسعت أمامهم آفاق المجد والعزة ونهضوا على أقدامهم ، يترسمون معالم الهداية وينهجون الطريق المستقيم ، طريق الله العزيز الحكيم .
وقد جاء القرآن الكريم مشتملاً على قصص ومواعظ وحكم وأحكام وإعذاراً ووعد ووعيد وتحذير وتبشير وأمر ونهي وحث على التمسك بالأخلاق الكريمة والمثل العليا والقيم الرفيعة والآداب العظيمة الحكيمة وكل ذلك في نهج من البلاغة رائع عجيب وأسلوب من الفصاحة رائق خصيب يبهر العقول ويأسر الأسماع ويسحر الأفئدة ولا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

جمع القرآن الكريم وتدوينه :
جمع القرآن الكريم في الصدور وحفظته العقول الواعية الحافظة أولاً ثم جمع في الصحف غير مرتب السور ثانياً ثم جمع أخيراً على الصورة التي نقرؤها الآن . فأما جمعه في الصدور فإنه كان إذا نزلت السورة أو الآية منه في واقعة من الوقائع إو في حكم من الأحكام أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجعلها في مواضعها . فيقول مثلا ً : ضعوها قبل آية كذا أو بعد آية كذا حتى تتم السورة ويعرضها صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام فيعارضه بها ثم يعرضها الرسول بعد ذلك على أصحابه ، وكان جبريل يعارضة بالقرآن في كل عام مره حتى عام الوداع فعارضه به مرتين .
ومن هنا يتبين لنا أن ترتيب الآية في سورها كان بتوقيف وتوجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن ربه وعنه رواه القراء رواية متواترة توجب العلم الضروري ، ويستحيل معها الكذب ، كما هو معروف عند علماء الحديث وأصول الدين وقد نزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة .
وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى والقرآن الكريم لم يجمع في مصحف واحد وإنما كانت سوره تتلى وآياته محفوظه وكان كتاب الوحي رضي الله عنهم قد سبقوا إلى تدوين آياته مفرقاً في الرقاع والألواح والعسب واللخام والعظام والأكناف وكان قد حفظه جماعة من الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً منهم أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم . وكان يقرآونه كما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف أو لغات أو قراءات . وفي خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خرج الجند المسلمون لقتال أهل الردة وفيهم الحفاظ والقراء فقتل منهم عدد كبير حتى لقد قتل في يوم اليمامة سبعون رجلاً من هؤلاء الحفاظ القراء ، وخيف على القرآن الكريم من الضياع فأشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهم بجمع القرآن الكريم فتوقف في بادئ الأمر فلم يزل عمر رضي الله عنه حتى رضي بذلك ثم أرسل أبو بكر رضي الله عنه إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه وكلفه بجمع القرآن الكريم فتوقف بدوره أولاً ثم اقتنع بصواب هذا العمل ونهض إلى ما ندب إليه بهمه ونشاط .
 
وفي ذلك روي البخاري بسنده عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال :
" أرسل إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن الكريم وإني أخشى أن يستمر القتل بالقرآء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قلت لعمر : كيف نفعل : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك . ورأيت في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : قال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن . قلت : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهم فتتبعت القرآن اجمعه من العسب واللخام وصدرو الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم " حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر في حياته ثم عند حفصة بنت عمر " وقد سمى أبوبكر ما جمعه مصحفاً .
ويرى العلماء والباحثون أن هناك سبباً آخر قد أسهم بعض الشيء في هذا الاختيار وهو أن زيداً لم يكن من كتبة الوحي ومن حملة القرآن فحسب ولكنه فضلاً عن ذلك حضر بنفسه آخر تلاوة للقرآن الكريم قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على الأسلوب الأمثل في اختيار الرجال وتوفير كافة الضمانات لتسجيل النصوص القرآنية وجمع الوثائق القرآنية جمعاً صحيحاً كما أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم .
 
وبالاضافة إلى كل هذه الضمانات وضعت قاعدة للعمل وطبقت بكل عناية وهي تقضي بألا يؤخذ بأي مخطوط لا يشهد شخصان على أنه مكتوب ليس من الذاكرة وإنما بإملاء الرسول ذاته وأنه جزء من التنزيل في صورته النهائية .
احتفضت حفصة بنت عمر بن الخطاب بصحف القرآن بعد جمعها في حياة أبي بكر وذلك في آخر لحظة من حياته لأن لم يكن قد بويع في ذلك الوقت .
اتسعت الفتوحات الإسلامية وتفرق القراء في الأمصار وأخذ أهل كل مصر عمن وفد إليهم في قراءاته ووجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل عليها ، فكانوا إذا ضمهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو عجب البعض من وجوه الاختلاف وقد يقنع بأنها جميعاً مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هذا لا يحول دون تسرب الشك للناشئة التي لم تدرك الرسول ، فيدور الكلام حول فصيحها وأفصحها ، وذلك يؤدي إلى الملاحاة إن إستفاض أمره ومردوا عليه ، ثم إلى اللجاج والتأثيم وتلك فتنه لابد لها من علاج .
فلما كانت غزوة أرمينية وغزوة أذربيجان من أهل العراق كان فيمن غزاهما حذيفه بن اليمان فرأى اختلافاً كثيراً في وجوه القراءة وبعض ذلك مشوب باللحن مع إلف كل لقراءته ووقوفه عندها ومما رأته مخالفاً لغيره وتكفير بعضهم الآخر ، حينئذ فزع إلى عثمان رضي الله عنه وأخبره بما رأي وكان عثمان قد نمى إليه شيئاً من ذلك الخلاف يحدث لمن يقرئون الصبية فينشأ هؤلاء وبينهم من الاختلاف ما بينهم فأكبر الصحابة هذا الأمر مخافة أن ينجم عنه التحريف والتبديل وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر ويجمعوا الناس عليها بالقراءات الثابته على حرف واحد فأرسل عثمان إلى حفصة فأرسلت إليه بتلك الصحف ثم أرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري وإلى عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيين فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف وأن يكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فأنه نزل بلسانهم .
وهكذا نرى أن قصة جمع وتدوين المصحف الشريف لم تكن بالأمر الهين ولا بالبساطة التي قد يتصور البعض أنها كانت موجودة في صحف أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، لقد كانت هذه الصحف والوثائق دليلاً خطياً وإثباتاً قاطعاً ، ورغم ذلك كما لا حظنا اشترطوا شاهدين لكل من يرى إضافة من ذاكرته إلى المصحف في عهد ابي بكر كما اشترطوا أن تتكون لجنة من كتبة الوحي واختار أبو بكر زيد بن ثابت كما اختاره عثمان في عملية الجمع الثانية .


خط المصاحف
اهتم المسلمون في بداية حياتهم بالكتابة العربية والتي كتب بها المصحف الشريف .
فقد وصل الخط الحيري الأنباري إلى الحجاز على شكلين : المقور والمبسوط
1- فالخط المقور ويسمى باللين والنسخي يمتاز بانخساف عرقاته إلى أسفل ، قد كثر استعماله وشاع تداوله في المراسلات والكتابات العادية .
2- الخط المبسوط ويسمى باليابس وعرقاته مبسوطه ليس فيها انخساف إلى اسفل وقد غلب عليه إطلاق لفظ الكوفي بعد بناء الكوفة .
ولا يستعمل إلا في النقش على المحاريب وأبواب المساجد وجدران المباني الكبيرة وكتابة المصاحف وما يراد به الزينة والزخرفة .
وكان الخط العربي يسمى في صدر الإسلام مكياً ومدنياً ثم سمي كوفياً لشهرة أهل الكوفة بالكتابة وكان كتاب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم يكتبون بالخط المقور النسخي .
وبهذا الخط عينه كتب زيد بن ثابت صحف القرآن الكريم في عهد ابي بكر وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما .

النقط والشكل في القرآن الكريم
والنقط والشكل مرت بمراحل متلاحقة فقد وضع الشكل بدعوة من زياد بن أبي سفيان والي معاوية على البصرة ، وقد قام بوضعه أبو الأسود الدؤلي ثم وضع الأعجام أي نقط الحروف بدعوة من الحجاج بن يوسف الثقافي والي عبد الملك بن مروان على العراق وقام بوضعه نصر بن عاصم ويحي بن يعمر تلميذا أبي الأسود الدؤلي . ثم كان الدور الذي قام به الخليل بن أحمد الفراهيدي من وضع الحركات على الحروف . ولقد عرف العرب والمسلمون قبل عهد زياد وقبل عهد الحجاج نوعاً من النقط اتخذه كتاب الوحي واستعمله الصحابة علامات خاصة باللهجات التي كان القرآن يقرأ بها .
وقد استخدمت هذه الطريقة عند تدوين القرآن وجمعه لأول مرة في خلافة ابي بكر رضي الله عنه فكانت الصحف المودعة عند حفصة مبينة فيها اللهجات الأخرى غير اللهجة القرشية بنقط على الحروف واصطلح الكتاب على وضعها للدلالة على الإحالة وضم ميم الجمع والإشمام والهمز والتسهيل وغير ذلك من القراءات التي رواها أهل القبائل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وعند الجمع الثاني في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر الكتبة أن يجردوا المصحف الإمام من هذه النقط التي لم تكن نقط شكل ولا إعجام لتكون كتابة القرآن على لغة قريش فقط ففعلوا .
وهكذا نستطيع أن نستفيد من الجهود المبذولة في كتابة المصاحف ونقطه وشكله ووصوله إلينا سالماً من كل لحن ومن كل خطأ . وصدق الحق سبحانه وتعالى :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " سورة الحج آية 9 .
المراجع : 1- د. عبد التواب شرف الدين . تاريخ أوعية المعرفة .
2- مناع القطان . مباحث في علوم القرآن الكريم .

من http://forum.brg8.com/t124221.html

السبت، 25 مايو 2013

تدوين الحديث في القرنين الرابع والخامس


نشأة تدوين السنة النبوية وتطوره
أ - تدوين الحديث في القرن الأول كان العرب قبل الإسلام يهتمون بالرواية، وكان عليها اعتمادهم في حفظ أشعارهم وأنسابهم وأخبارهم وخطبهم، فقد كانت لديهم ملكة الحفظ وقوة الذاكرة، فلم يكونوا يعتمدون على الكتابة، ولذلك قلت الكتابة فيهم، وقل عدد الكتاب، ووصفوا بأنهم أمة أمية، كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}.
كما جاء هذا الوصف في الحديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا». أخرجه البخاري ومسلم
 
وهذا لا يعني أنه لا وجود للكتابة في مجتمع مكة والمدينة، بيد أن عدد الكتاب كان قليلا، وما إن اتسع الإسلام وانتشر في جزيرة العرب، حتى انتشرت الكتابة على نطاق واسع نظرا لأن القرآن الكريم حث على الكتابة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}. واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم أبناء المسلمين الكتابة.. وأذن لأسرى بدر أن يفتدوا أنفسهم بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة على أن يقوم كل أسير بتعليم عشرة من صبيان المسلمين حتى يطلق سراحه.
وظهر من الصحابة عدد كبير ممن كان يعرف القراءة والكتابة، ومنهم عبد الله بن سعيد بن العاص، وسعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص وغيرهم.
وقد قام بعض الكتاب بتدوين القرآن الكريم، وكتب القرآن جميعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مفرقا في العسب واللخاف.
بيد أن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر لم يأذن في جمع الأحاديث وتدوينها وكتابتها كما أذن لهم في جمع القرآن وكتابته على وجه الشمول والاستيعاب، ولعل ذلك يرجع إلى حصر جهودهم في نطاق تدوين القرآن، إلى جانب مخافة حدوث اللبس والاختلاط عند العامة بين الصحف التي كتب فيها القرآن، بصحف الحديث، خاصة في فترة نزول الوحي بالقرآن، حيث إن عامة المسلمين لم يعتادوا أسلوب القرآن، فلذلك ورد النهي عن جمع الأحاديث، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
 
ولما حصل التمييز بين القرآن والسنة انتفى ما كان يمنع من كتابة الحديث، وزال الخوف وأمن اللبس والاختلاط بين القرآن والأحاديث، عند ذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بالكتابة،
 
 فقد وردت أحاديث تدل على إباحة الكتابة لبعضهم، فمن ذلك: ما رواه البخاري ومسلم أن عليا رضي الله عنه لما سأله أبو جحيفة: هل عندكم شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن؟ قَالَ لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).
 
 
ومما يدل على إباحة الكتابة ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مني حديثا، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.
 
 
- وما رواه البخاري ومسلم أن أبا شاه رجل من أهل اليمن التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لأبي شاه».
ومن هذه الروايات وغيرها يتبين لنا أن الحديث قد كتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهد لذلك ما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعماله بشأن الزكوات وأنصبتها، وما كتب من العهود بينه وبين اليهود بالمدينة، وبينه وبين المشركين في الحديبية، والكتب التي كتبها إلى الأمراء والملوك، وما ثبت من أنه كتب كتابا فيه الفرائض والسنن والديات.
وبعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى اختلف الصحابة في كتابة الحديث وتدوينه في الكتب، فكرهها طائفة منهم: ابن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهم. وأباحتها طائفة منهم: عمر وعلي وعبد الله بن عمرو وأنس وجابر وابن عباس. ومن بعدهم من التابعين كالحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين.
تم استقر الأمر والإجماع على جواز كتابة الأحاديث، بل على استحباب ذلك. ومنهم من قال بالوجوب لمن خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم للناس.
قال ابن الصلاح: "لولا تدوين الأحاديث في الكتب لدرست في الأعصر الأخيرة".
- نماذج من الصحف التي دونها الصحابة رضي الله عنهم
ذكر الخطيب البغدادي في كتابه (تقيد العلم) نماذج من هذه الصحف، منها صحيفة أبي بكر الصديق، وهي في فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وهي المعروفة بالصحيفة الصادقة، وصحيفة عبد الله بن أبي أوفى، وصحيفة أبي موسى الأشعري, وصحيفة جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين.
وكانت هذه الصحف هي النواة الأولى لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
نماذج من الصحف التي دونها التابعون
توسع التابعون في كتابة الحديث ومن أسباب ذلك التوسع ما يلي:
أ- انتشار الروايات وطول الأسانيد، وكثرة أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم.
ب- موت كثير من حفاظ السنة, فخيف بذهابهم أن يذهب كثير من السنة.
ج- ضعف ملكة الحفظ مع انتشار الكتابة.
د- ظهور البدع والأهواء وفشو الكذب.
هـ- زوال كثير من أسباب كراهية الكتابة.
وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) عددا كبيرا من الصحف التي دونها التابعون، منها صحيفة أوصحف سعيد بن جبير (تلميذ ابن عباس)، وصحف مجاهد بن جبر المكي (تلميذ ابن عباس)، وصحيفة أبي الزبير محمد ابن مسلم المكي (تلميذ جابر بن عبد الله)، وصحيفة أيوب بن أبي تميمة السختياني، وصحيفة هشام بن عروة، وغير ذلك من الصحف التي رويت عن التابعين، وكانت هي الأساس الثاني لما صنف في القرنين الثاني والثالث.
- التدوين الرسمي للحديث
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن دينار قال:«كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا».
وفي كتاب جامع بيان العلم وفضله ، عن ابن شهاب الزهري قال:«أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا».
وفي سنن الدارمي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المدينة:«انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
وأخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بسنده إلى الإمام مالك قال:«أول من دون العلم ابن شهاب الزهري».
والمراد بهذا التدوين: التدوين الرسمي الشامل الذي اتخذ صيغة العموم، وتداولت الأمة صحفه المكتوبة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجعل الصحف مرجعا متداولا معتمدا لا يختص بصاحبه فقط، ولم يلبث التدوين المبوب المرتب أن انتشر بعد ذلك في منتصف القرن الثاني، فجمعت الأحاديث في المجامع والمصنفات.
ب - تدوين الحديث في القرن الثاني
يشمل هذا القرن عصر جيلين هما: صغار التابعين، وأتباع التابعين.
أما جيل صغار التابعين فتصنف جهودهم في تدوين السنة ضمن جهود التابعين، وقد كانت جهودهم في عمومها مجرد جمع للأحاديث في صحف لا يراعى فيها تبويب أو ترتيب معين.
و أما جيل أتباع التابعين فيبتدأ من منتصف القرن الثاني، وقد كان لهذا الجيل الريادة في ابتداء التدوين المرتب على الأبواب والفصول, كما كانت له الريادة في التأسيس والتأصيل لعلوم السنة, ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تطور التدوين في منتصف هذا القرن، فظهر التفريق بين التدوين الذي هو مجرد الجمع في الصحف، وبين التصنيف الذي هو الترتيب والتبويب والتمييز في المصنفات.
2- أن المصنفات المدونة في هذا العصر قد جمعت إلى جانب الأحاديث النبوية أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين بمعنى أنها اشتملت على الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع، وكانت الصحف فيما مضى تقتصر على الأحاديث النبوية فقط.
3- طريقة التدوين في مصنفات هذا القرن هي جمع الأحاديث المتناسبة في باب واحد، ثم يجمع جملة الأبواب والكتب في مصنف واحد.
- أشهر المصنفين في القرن الثاني
ممن اشتهر بتأليف المصنفات في الحديث في هذا القرن، ممن عاصر الزهري، أو ممن أخذ عنه من تلامذته:
1- أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج البصري فقيه الحرم المكي، وإمام أهل الحجاز في عصره المتوفى سنة (150هـ) وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة وهو من تلامذة الزهري.
2- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي أحد الأعلام في المغازي والسير المتوفى سنة (151هـ) جمع كتابه (السيرة) المعروفة بسيرة ابن إسحاق وهو ممن أخذ عن الإمام الزهري.
3- معمر بن راشد الأزدي اليماني المتوفى سنة (153هـ).
4- سعيد بن أبي عروبة البصري المتوفى سنة (156هـ).
5- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي المتوفى (156هـ).
6- مالك بن أنس إمام دار الهجرة والمتوفى سنة (179هـ)، وهو أحد تلامذة الزهري والآخذين عنه. وغيرهم
ج - تدوين الحديث في القرن الثالث
يعتبر هذا القرن عصر السنة الذهبي إذ برز فيه كثير من الحفاظ والنقاد، من أمثال أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه, وعلي بن المديني, ويحيى بن معين، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم، ممن كان على أيديهم تأسيس كثير من علوم الحديث، وكان لهم السبق في التصنيف في كل نوع من أنواع تلك العلوم الحديثية، واستوفوا المتون والأسانيد دراسة وبحثا.
ويمكن اختصار الحديث عن تدوين السنة في هذا القرن في الآتي:
1- تجريد الأحاديث النبوية وتمييزها عن غيرها، بعد أن كانت قد دونت في القرن الثاني ممزوجة بأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين.
2- الاعتناء ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف.
3- تنوع المصنفات في تدوين السنة، حيث ظهرت كتب المسانيد والصحاح والسنن، ومختلف كتب الحديث، ومشكله وغيرها.
د - تدوين الحديث في القرنين الرابع والخامس
تابع العلماء في القرن الرابع جهود السابقين، فكان منهم من سار على نهج الصحيحين في إخراج الأحاديث الصحيحة، ومنهم من سار على نهج أصحاب السنن في الاقتصار على أحاديث السنن والأحكام مع اشتمالها على الصحيح وغيره، ومنهم من عني بالتأليف في مختلف الحديث ومشكله.
كما ظهرت في هذا القرن كتب المستدركات والمستخرجات والمعاجم والعلل.
وفي القرن الخامس ظهرت النواة الأولى للمسموعات الحديثية، ومن ذلك كتب الجمع بين الصحيحين، وكتب الجمع بين الكتب الستة، وغير ذلك.
3- أنواع المصنفات التي عنيت بتدوين الحديث النبوي
تحدث الحافظ بن حجر رحمه الله في (هدي الساري مقدمة فتح الباري) عن نشأة التصنيف عند المحدثين فقال:" اعلم علمني الله وإياك أن آثار النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع، ولا مرتبة، لأمرين، أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.
وثانيهما: لسعة حفظهم، وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما".
وقد نوع المحدثون تصانيفهم، وتفننوا فيها، ومن أهم أنواع التصنيف عندهم الأنواع الآتية:
1- الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية
وطريقة هذا التصنيف أن تجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد إلى بعضها البعض تحت عنوان عام يجمعها، مثل: (كتاب الصلاة)، (كتاب الزكاة)، وهكذا، تم توزع الأحاديث على أبواب، يضم كل باب حديثا أو أحاديث في مسألة جزئية، ويوضع لهذا الباب عنوان يدل على موضوعه، مثل: (باب مفتاح الصلاة الطهور)، ويسمي المحدثون هذا العنوان: (ترجمة).
وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح كالشيخين، ومنهم من لا يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب الجوامع، والسنن، والمصنفات، والموطآت، والمستدركات، والمستخرجات.
والجوامع جمع جامع، والجامع في اصطلاح المحدثين: هو كتاب الحديث المرتب على الأبواب، ويوجد فيه أحاديث في جميع موضوعات الدين وأبوابه، كالجامع الصحيح للإمام البخاري، والجامع للترمذي.
والسنن: هي الكتب التي تجمع أحاديث الأحكام المرفوعة مرتبة على الأبواب الفقهية، مثل السنن الأربعة، وسنن الشافعي والبيهقي والدارقطني والدارمي..
وكتب السنن لا تشتمل على غير الأحاديث المرفوعة إلا نادرا, لأن الأحاديث الموقوفة والمقطوعة لا تسمى في اصطلاح المحدثين سننا.
والمصنف: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة.
ومن أشهر المصنفات: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة.
والموطآت: جمع موطأ والموطأ لغة: المسهل والمهيأ.
وفي اصطلاح المحدثين: هو الكتاب المرتب على الأبواب الفقهية، المشتمل على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو كالمصنف وإن اختلفت التسمية.
والمستدرك: هو كل كتاب يخرج فيه صاحبه أحاديث لم يخرجها كتاب ما من كتب السنة, وهي على شرط ذلك الكتاب، مثل المستدركات على الصحيحين، ومنها مستدرك أبي عبد الله الحاكم.
والمستخرج عند المحدثين هو أن يأتي المصنف المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث، فيخرج أحاديث بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه ولو في الصحابي.
ومثال المستخرج: المستخرجات على الجوامع، كمستخرج الإسماعيلي، والغطريفي على صحيح البخاري، والمستخرج لأبي عوانة الإسفراييني على صحيح مسلم, وغيرهما.
2-الكتب المرتبة على أسماء الصحابة:
وهي كتب تجمع الأحاديث التي يرويها كل صحابي في موضع خاص وإن اختلفت أنواع أحاديثه.
ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب المسانيد، وكتب الأطراف والمعاجم المصنفة على هذه الطريقة.
والمسند: هو الكتاب الذي تذكر فيه الأحاديث على ترتيب أسماء الصحابة وفق حروف المعجم، أو السابقة في الإسلام، أو القبائل...
ومثالها: مسند الإمام أحمد بن حنبل، ومسند أبي يعلى الموصلي، ومسند الحميدي، ومسند أبي داود الطيالسي وغيرها.
والأطراف: جمع طرف، وطرف الحديث: جزؤه الدال عليه.
وكتب الأطراف هي التي يقتصر فيها مؤلفوها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته، مع الجمع لأسانيده، إما على سبيل الاستيعاب، أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة.
قال السيوطي في تدريب الراوي: "من طرق التصنيف أيضا جمعه على الأطراف فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته، ويجمع أسانيده، إما مستوعبا أو مقيدا بكتب مخصوصة".
ومثالها: تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي.
والغالب أن مؤلفي الأطراف رتبوها على مسانيد الصحابة، مرتبين أسماءهم على حروف المعجم.
والمعاجم: جمع معجم، والمعجم في اصطلاح المحدثين هو: الكتاب الذي ترتب فيه الأحاديث على مسانيد الصحابة أو الشيوخ أو غير ذلك، والغالب أن يكون ترتيب الأسماء على حروف المعجم.
ومن أشهرها المعجم الكبير والأوسط والصغير للإمام الطبراني.
3- الكتب التي رتبت فيها الأحاديث على حروف المعجم بحسب أوائلها:
ويشمل هذا النوع من التصنيف: الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وبعض المصنفات الجامعة (المجامع) والمفاتيح، والفهارس التي صنفها العلماء لكتب مخصوصة تسهيلا على المراجعين في تلك الكتب، واختصارا للوقت للعثور على الحديث الذي يريدونه فيها.
أما الكتب المصنفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، فهي الكتب التي جمعت الأحاديث التي تداولتها ألسنة العامة، لبيان حالها صحة أو ضعفا، وأكثرها مرتب على نسق حروف المعجم.
ومن أشهرها: (المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة) للحافظ السخاوي، (وكشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الحديث على ألسنة الناس) للعجلوني.
وأما المصنفات الجامعة أو المجامع، فالمراد بها الكتب التي تجمع أحاديث عدة كتب من مصادر الحديث، وترتب فيها الأحاديث إما على الأبواب، أو على حروف المعجم بحسب أوائلها. ومن أشهر ما ألف فيه الجامع الكبير والصغير للسيوطي.
وأما المفاتح والفهارس فمنها: مفتاح الصحيحين للتوقادي، وفهارس صحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، لمحمد فؤاد عبد الباقي.
4- كتب الزوائد:
وهي المصنفات التي يجمع فيها مؤلفوها الأحاديث الزائدة في بعض الكتب الحديثية عن الأحاديث الموجودة في كتب أخرى.
قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: "ومنها كتب الزوائد أي: الأحاديث التي يزيد بها بعض كتب الحديث على بعض آخر معين منها".
ومن أشهر كتب الزوائد: (مصباح الزجاجة في زوائد بن ماجة) لأبي العباس البوصيري، وهو كتاب يشتمل على الأحاديث التي أخرجها ابن ماجة في سننه، ولم يخرجها أصحاب الكتب الخمس، دون الكتب التي شاركهم في إخراجها.
ومنها: (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) للهيثمي، جمع فيه ما زاد على الكتب الستة من ستة مصادر حديثية هامة: (مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، ومسند البزار، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وعني ببيان حال الأحاديث صحة وضعفا.
ومنها: (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر العسقلاني، جمع فيه الزوائد على الكتب الستة ومسند أحمد من ثمانية مسانيد، وهي: (مسند الطيالسي، ومسند أبي بكر الحميدي، ومسند ابن أبي عمر العدني، ومسند عبد بن حميد، ومسند مسدد بن مسرهد، ومسند أحمد بن منيع، ومسند أبي بكر بن أبي شيبة، ومسند الحارث بن أبي أسامة).
5- خامسا كتب التخريج:
التخريج هو: الدلالة على موضع الحديث من مصادره الأصلية مع بيان مرتبته.
وكتب التخريج هي الكتب الموضوعة في تخريج الأحاديث الواقعة في كتاب مصنف في غير الحديث.
مثالها: (نصب الراية لأحاديث الهداية) للزيلعي، وهو كتاب خرج فيه مؤلفه الأحاديث التي ذكرها الفقيه المرغياني الحنفي في كتابه الهداية في الفقه الحنفي.
ومنها: (المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار) للحافظ العراقي، و(البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير) لابن الملقن.
6- كتب الأجزاء:
الجزء في اصطلاح المحدثين يراد به:
- جمع الأحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم.
قال الكتاني: "والجزء عندهم تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم".
مثاله: جزء أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري.
- أو جمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد من الموضوعات الجزئية على سبيل البسط والاستقصاء.
مثاله: جزء رفع اليدين في الصلاة، وجزء القراءة خلف الإمام، كلاهما للإمام البخاري.
وقد يفرد المحدثون أحاديث، فيجمعون طرقها في جزء، نحو طرق حديث قبض العلم، وغير ذلك.
7- الكتب المصنفة في العلل:
قال المباركفوري: "وهي الكتب التي يجمع فيها الأحاديث المعللة مع بيان عللها".
وقال النووي في التقريب: "ومن أحسنه تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث أو باب طرقه واختلاف رواته".
وقال السيوطي في تدريب الراوي: "فإن معرفة المعلل أجل أنواع الحديث والأولى جعله على الأبواب ليسهل تناوله".
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "وللساجي كتاب جليل في علل الحديث، يدل على تبحره في هذا الفن".
والكتب المصنفة في العلل بعضها غير مرتب كعلل علي بن المديني، وبعضها مرتب إما على المسانيد كعلل الدارقطني، وإما على الأبواب كعلل ابن أبي حاتم، وأبي بكر الخلال.
وهناك أنواع أخرى من المصنفات في الحديث مذكورة في موضعها من الكتب المختصة, كما في (الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة) للعلامة محمد بن جعفر الكتاني, (ومقدمة تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) للعلامة محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي رحم الله الجميع.
خاتمة:
لقد مر تدوين الحديث بمراحل مختلفة، على أيدي نقاد جهابذة، نخلوه وبينوا صحيحه من معلوله، حتى وصل إلينا غضا طريا مصفى، فما علينا إلا حفظه، والعمل بمقتضاه، ورحم الله من قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. 
 
منقول لتمام الفائدة